ادخل إلى العمق
المقالات
أقرأ العديد من المقالات عن موضوعات لاهوتية وشروحات آباء الكنيسة للعقيدة المسيحية وللكتاب المقدس وفي العبادة الليتورجية والحياة الروحية
أحدث المقالات
الملامح الليتورجيا في سفر الرؤيا للدكتور جورج فرج
الملامح الليتورجيا في سفر الرؤيا د. جورج فرج مقال من دورية المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية- يوليو 2018 مقدمة ينظر البعض لسفر الرؤيا من جانب واحد فقط، هي أنه سفر نبوي فحسب، وما به من رموز تمثل أحداث مستقبلية، ما عدا ما به من تسابيح وصلوات، ولكن النظرة الشاملة للسفر تجعلنا ندرك بسهول الخصائص الليتورجية له. وهذه السمة واحدة من السمات المهمة التي تميز هذا السفر تحديدًا عن باقي الكتابات الأبوكريفية الرؤيوية، سواء اليهودية أو تلك التي ظهرت بعد الميلاد، فسفر الرؤيا تتمازج فيه العناصر الرؤيوية مع العناصر الليتورجيا حتي نهاية السفر، فلا يمكن فصل الرؤى المتعلقة بالمستقبل بالجو التعبدي بعناصره الليتورجيا المختلفة، الذي يطغى على كل أحداث ومشاهد السفر. تلك العناصر الليتورجية تعبر عن رد فعل الخليقة سواء السمائية أو الأرضية تجاه الخالق معبرة عن تمجيدها له وكاشفة بشكل تدريجي عن خطة الله لخلاص الخليقة كلها. ولو نظرنا إلى وجهة النظر التاريخية نجد أن الإطار الليتورجي لسفر الرؤيا في غاية الأهمية حيث أنه يحتوي على كثير من العناصر التي كانت تستخدم في العبادة الليتورجية في الكنيسة الأولى، وبالتالي فإن دراسة تلك العناصر الليتورجية في سفر الرؤيا ومقارنتها بتاريخ تطور العبادة الليتورجية في الكنيسة الأولي أمر غاية في الأهمية لمعرفة العلاقة بين الاثنين. فسفر الرؤيا يعتبر كتابًا ليتورجيًا من الدرجة الأولى، ونجد كثيرًا من الملامح الليتورجيا بالسفر، حيث يستخدم الكثير من الرموز ذات الدلالات الليتورجية، والتي كانت تستخدم في العبادة اليهودية، حيث نلاحظ أن سفر الرؤيا أكثر أسفار العهد الجديد تأثرًا بالعهد القديم على الرغم من قلة الإقتباس المباشرة منه، وبمقارنة تلك الصور التي يقدمها سفر الرؤيا مع العبادة الليتورجية في الكنائس الأرثوذكسية، فإننا نرى أن السفر يقدم لنا صورة مبكرة لعناصر الليتورجيا المسيحية. ونذكر العديد جدًا من العناصر الليتورجيا منها : الحديث عن يوم الرب، عشاء الخروف المذبوح، مشاركة الكنيسة للعبادة الملائكية، تسبيح الرب بصفته ((ضابط الكل))، ((مستحق))ـ التسبحة الشاروبيمية ((الثلاث تقديسات))، ظهور قوات سمائية ذات رتب كهنوتية 24 قسيس، خدمة القراءات وذلك بالحديث عن ((فتح السفر وفك ختومه))، تقديم البخور على المذبح، ارتباط الافخارستيا بدينونة العالم وتفسير الليتورجيا بصورة حرب روحية، ولا يفوتنا الإشارة إلى أن سفر الرؤيا بمشاهده كان مُلهمًا لفناني الكنيسة ورساميها الذين ابدعوا الكثير من الأيقونات من وحي السفر ومشاهده الإلهية كصور الأربع كائنات غير المتجسدة وغيرها من الصور. أولاً:- أركان الليتورجيا في سفر الرؤيا يمكننا أن نتتبع خدمة القداس الإلهي، فالرؤيا تمت في يوم الرب، أي في خدمة القداس الإلهي، كما أن الكتاب يتحدث عن سفر له ختوم يفتحه الخروف المذبوح وكذلك سفر أخر صغير يأخذه الرائي ويأكله وهذا يرمي بظلاله بقداس الكلمة الذي تتلي فيه القراءات، وأيضًا يتحدث عن الخروف المذبوح في كل السفر وعشائه. الرؤيا تتم في يوم الرب (كرياكي) وهو يوم الأحد ἐγενόμην ἐν πνεύματι ἐν τῇ κυριακῇ ἡμέρᾳ كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ، (رؤ1: 10) يوم الرب في مفهوم العهد الجديد هو يوم الأحد، وهو يوم قيامة السيد، وباقي الأحداث العظيمة كحلول الروح القدس على التلاميذ، وفي هذا اليوم يقام الاحتفال الليتورجي، وهكذا فالسفر يبدأ بالتأكيد أن الرؤيا في مجملها كانت من خلال خدمة القداس. فتح السفر وفك ختومه (قداس الكلمة). يقدم لنا السفر ملمح مهم للعبادة سواء اليهودية أو المسيحية، بقراءة النصوص المقدسة في أثناء الليتورجيا، ونلاحظ أن في سفر الرؤيا هناك حديث عن سفرين: سفر مختوم βιβλίον κατεσφραγισμένον (رؤ 5: 1) لا يستطيع أحد أن يفتحه أو يفك ختومه سوى الخروف المذبوح. وسفر أخر صغير (كُتيب). وهو كتيب مفتوح βιβλαρίδιον ἠνεῳγμένον. أخذه الرائي وأكله. (رؤ 10: 2، 9، 10). فيما يخص السفر الأول فنجد أن مسألة أن السفر مختوم لها صدى في سفر دانيال (12: 4، 9) غير أن الجديد الذي يقدمه سفر الرؤيا هو أن السفر قد فُتِح بواسطة الخروف المذبوح وكما يظهر بوضوح من إنجيل لوقا أن السيد قد دفع إليه سفر إشعياء ليقرأه، ” فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ” (أنظر لو 4: 16 – 21) وقد فسره السيد أيضا ليؤكد أن النبوة قد تمت فيه، في الكنيسة المسيحية نجد أن قداس الكلمة (وهو ما يسمى في الغرب بقداس الموعوظين) يسبق قداس التقديس. في سفر الرؤيا نجد أن الحديث ليس فقط عن قراءة السفر بل أيضا عن فك ختومه، أي تفسيره، ولكن المسألة هنا ليست مجرد شرح معاني النبوات بل القدرة على تحقيقها، بإعلان تحقيق ملكوت الله، فحادثة إنجيل لوقا توضح أن بقراءة السيد للنبوة تحقق فعلها، فالمسألة هنا ليست مجرد قراءة أو حتى شرح معاني بل تحقيق الأمر، “ فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ». لذلك نجد أن في الكنيسة الأرثوذكسية الذي يقرأ الإنجيل هو الأسقف وليس آخر لأن حضوره يعبر عن حضور المسيح في الكنيسة[1] وهنا نفرق بين الخروف المذبوح الوحيد القادر على فك ختوم السفر[2]، والنبي الرائي الذي أكل السفر ((الصغير)) المفتوح، كما حدث مع حزقيال النبي أيضًا في العهد القديم (حز 3: 1-3) ” وَالصَّوْتُ الَّذِي كُنْتُ قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ السَّمَاءِ كَلَّمَنِي أَيْضًا وَقَالَ:«اذْهَبْ خُذِ السِّفْرَ الصَّغِيرَ الْمَفْتُوحَ فِي يَدِ الْمَلاَكِ الْوَاقِفِ عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الأَرْضِ». 9 فَذَهَبْتُ إِلَى الْمَلاَكِ قَائِلاً لَهُ: «أَعْطِنِي السِّفْرَ الصَّغِيرَ». فَقَالَ لِي:«خُذْهُ وَكُلْهُ، فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرًّا، وَلكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْوًا كَالْعَسَلِ». 10 فَأَخَذْتُ السِّفْرَ الصَّغِيرَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ وَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ فِي فَمِي حُلْوًا كَالْعَسَلِ. وَبَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ صَارَ جَوْفِي مُرًّا. 11 فَقَالَ لِي:«يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضًا عَلَى شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسِنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثِيرِينَ»( رؤ 10: 8-10) هنا الأكل يعني الإدراك وإعلان النبوة وتفسيرها للناس بحلوها ومرها، وهذا يختلف عن فتح الخروف للسفر المختوم الذي يعني تحقيق النبوة وليس مجرد إعلانها للناس. عشاء الخروف المذبوح (الإفخارستيا). يأتي الحديث صراحة عن “عشاء” الخروف في نهاية السفر إصحاح 19 ، وهو بلا شك صورة واضحة للافخارستيا. وَقَالَ لِيَ: اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ!. وَرَأَيْتُ مَلاَكًا وَاحِدًا وَاقِفًا فِي الشَّمْسِ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً لِجَمِيعِ الطُّيُورِ الطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ:«هَلُمَّ اجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ الإِلهِ الْعَظِيمِ” بينما الحديث عن (الخروف المذبوح) هو حديث دائم على طول السفر السجود يكثر الحديث بشدة عن السجود لله، وهو بلا شك أساس أي عبادة، والسجود لله في سفر الرؤيا يشمل كل خليقة الله سواء من السمائيين مثل الأربعة والعشرين قسيسًا (4: 10) والملائكة ( 7: 11)، والأربعة كائنات الحية ( 5: 14)، أو من الأرضيين مثل يوحنا (1: 17) أو السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ وَكُلَّ أُمَّةٍ وَقَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ (رؤ 14: 6،7). والسجود للمخلوقات ممنوع في سفر الرؤيا فلما أراد الرائي أن يسجد للملاك رفض وانذره
آلام العذراء والسيف – من الكتاب الشهري أغسطس 2010
بعد مرور أربعين يومًا علي ميلاد ربنا يسوع المسيح، أحضرته القديسة مريم أمه إلي الهيكل. وهناك سمعت عن نفسها نبوة من سمعان الشيخ توضح جانبًا آخر من حياتها: وكان يوسف وأمه يتعجبان مما قيل فيه، وباركهما سمعان وقال لمريم أمه، ها أن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، ولعلامة تقاوم. وها أنت أيضًا سيجوز في نفسك سيف لتعلن أفكار من قلوب كثيرة (لوقا 33:2ـ35). كان الاحتفال بتقديم الطفل يسوع إلي الهيكل عمل له شقين: 1ـ ليقدموه للرب (لوقا 22:2). 2ـ لكي يقدموا ذبيحة (لوقا 24:2). قدمت القديسة مريم فرخي يمام أو زوجى حمام للذبيحة. وكان أحد الطائرين يَذبح ويحرق بكاملة للرب، أما الآخر، فُيذبح وينضح الكاهن من دمه علي الامَ فتطهر (لاويين 8:12). هنا يدخل في الصورة ذلك الرجل البار التقي: سمعان الشيخ. الذي كان عضوًا في جماعة فقراء يهوه. الذي كان يتوقع تعزية إسرائيل. ـ الروح القدس كان عليه. ـ وكان قد اعلم بوحي من الروح أنه لا يري الموت قبل أن يعاين المسيح الرب. ـ فأقبل بالروح إلي الهيكل…. في هذا النص القصير، يُذكر الروح القدس ثلاثة مرات… إن سمعان الشيخ رجل الروح، المتحرك بالروح، والعائش في الحضرة الإلهية باستمرار…إنه يبارك القديسة مريم ويوسف البار، ويحمل الطفل منهما علي ذراعيه ويبارك الله. ذلك الشيخ الوقور الروحاني يستطيع الآن أن ينطلق بسلام لأن عينيه قد أبصرتا خلاص الله الذي أعده قدام جميع الشعوب: نورًا متجليًا، ومجدًا (لوقا 29:2ـ32). والآن يا سيد تطلق عبدك بسلام حسب قولك، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته أمام جميع الشعوب، نورًا تجلي للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل. تتردد أصداء هذه التسبحة النابعة من فيض داخلي في أرجاء الهيكل كنبوة أبدية لعمل المسيح. ثم يلتفت سمعان البار إلي يوسف ومريم، ويتنبأ بالروح عما سيكون من الطفل يسوع: أنه وضع لقيام وسقوط كثيرين، ولعلامة تقاوم. ثم يتوجه بالنبوة نحو القديسة مريم في جملة إعتراضية ويخبرها عن السيف الذي سيجوز في نفسها. لقد لخص سمعان الشيخ رسالة ربنا يسوع المسيح في نقطتين: 1ـ الخلاص والنور والمجد، 2ـ المقاومة والسيف. سمعان الشيخ يحمل الطفل يسوع بين ذراعيه، ويسبّح الله من أجل الخلاص الذي جعله أمام جميع الشعوب، ومن أجل النور الذي استعلنه للأمم…أنه لا يعطي للمسيح التملك علي بيت يعقوب إلي الأبد فقط، بل رآه مسيح العالم كله، المسيا المنتظر من الأرض كلها…إنه يعيد أصداء شدو الملائكة ليلة عيد الميلاد: المجد لله في العالي، وعلي الأرض سلام، وبالناس المسرة. لقد كان سمعان البار مشبّعًا تمامًا بنبوات إشعياء النبي التي تتنبأ بأن المسيح سيكون للعالم كله: + وأجعلك عهدًا للشعب، ونورًا للأمم (إش9:42). + فقط جعلتك نورًا للأمم لتكون خلاصي إلي أقصي الأرض (إش6:49). لقد أحس سمعان الشيخ برسالة ربنا يسوع المسيح المسكونية للعالم كله. انه سيكون نورًا للأمم، أما بالنسبة لإسرائيل فهو فقط مجدًا لشعب إسرائيل. لقد كان وقع كلمات الرجل، العائش في الروح، علي القديسة مريم ويوسف البار وقعا مفرحًا للغاية (لوقا 33:2)، أن طفلهما يسوع، ليس مجرد رمز وذكري، لنجاة الأبكار في الماضي. انه الخلاص المعلن أمام كل الشعوب، والنور المستعلن أمام جميع الأمم. بعد ذلك باركهما الشيخ، ثم كشف لهما عما سيلاقيانه من آلام وأحزان ـ لا سيما القديسة مريم ـ حينما يتمم المسيا رسالته: فسمعان الشيخ يعلم إن يسوع هو الملك المسيا، ولكنه في نفس الوقت هو الخادم المتألم الذي تنبأ عنه إشعياء النبي أيضًا: + وجهي لم أستر عن العار والبصق…. + لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه. محتقر ومخذول من الناس. رجل أوجاع ومختبر الحزن (إشعياء 4:50 ـ9، 2:52ـ3، 2:53، 12،3). + الملك المسيا سيتمم رسالته وسط مقاومات والآم. + مع وجود المسيح، ستنكشف كل أفكار القلوب، فالقلوب التي ستغلق أمام وجهه ستسقط. والقلوب التي ستتبعه ستكتشف ذاتها وتنال قيامتها الروحية. البعض سيحب المسيح، والبعض سيبغض المسيح وهذه البغضة ستؤلم المسيح. قد لا تكون القديسة مريم حتى ذاك الوقت، مدركة تمامًا لكل أبعاد المأساة…كان عليها أن تحتمل أن تري ابنها محتقرًا ومخذولاً من الناس…تراه وهو مثقل بحمل آلام البشر، وأيضًا وهو يتمزق من أجل خطاياهم ويحترق كي يمحو آثامهم. تأديب سلامنا عليه وبجراحاته يبرأ البشر (إشعياء 4:53، 5). علي أية حال، نبوءة سمعان الشيخ للقديسة مريم قد أعدتها لملاقاة كل هذا. لقد كانت هي المرأة التي قبلت البشارة المفرحة وإنتشت بزيارة اليصابات المبهجة، وعاشت المهرجان الملائكي ليلة الميلاد، لقد كانت هي التي أخذت كل وعود الأفراح والآن عليها أن تتحمل النبؤات المضادة…لذلك قطع سمعان الشيخ الاسترسال في حديثه، ووجه كلامه للعذراء مريم وحدها قائلاً: وأنت أيضًا سيجوز في نفسك سيف. يبدو أن الشيخ كان مركزًا نظره علي القديسة مريم ويقول لها هذه الكلمات بنغمة تأكيدية ونبرة بطيئة كلمة كلمة، كي تدرك بوضوح أن هذا الحديث يخصها شخصيًا. علي القديسة مريم أن تعرف أنها مزمعة أن تتألم كما يتألم إبنها المسيا. ويا له من ألم مهول..فكلمة سيف باليونانية المستعملة في هذه الآية (رومفايا) تعني سيف كبير حاد جدًا…آلام هذا السيف الكبير الحاد جدًا سيمس أعماق القديسة مريم، وسيحدث جروحًا غائرة…يا لها من صورة محددة جدًا ومؤثرة جدًا! إنها ليست مجرد إيذاء في المشاعر، بل هي نوع من الآلام الحادة في أعماق الكيان… تري أي ألم هذا؟ سيف كلمة الله الذي سيجوز نفسها هي الحقيقة الكلية للتجسد والفداء التي ستبلغ ذروتها عند ذبيحة الصليب. إن وقع ذبيحة المسيح الكفارية ستكوي قلبها بالآلم كما بسيف حاد. ومن قِطْع صلوات الساعة التاسعة: أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص، وأما أحشائي فتلتهب بالنار عند نظري إلي صلبوتك الذي أنت صابر عليه يا إبني وإلهي. يا لها من تجربة إيمانية مرة كالعلقم! كيف توفق العذراء مريم بين أن ابنها هو الملك المسيا، وبين رؤيتها إياه وهو يصلب؟ وكيف تحتمل إن تري دم ابنها وهو يسفك، وتقبل هذا الدم كفارة عنها؟ إن سيف كلمة الله سيعلن مدي إيمان قلبها، وسيختبر مدي إخلاصها لله. وبعد أن تتجرع كأس الآلام بكل غصصه، ستذوق نصرة الإيمان وقوة القيامة. الكنيسة أيضًا مثل القديسة مريم، تمر في اختبارات إيمانية مفعمة بالآلام، لا يعزيها في كل الموت المحيط بها سوي حقائق الإيمان ووعود الرجاء، وعلامات حب الله المتواكبة مع الحياة. وكل مسيحي بدوره يمر في هذا الاختبار أيضًا، انه يعيش في الصراع بين المسيح الذي يؤمن به ويحبه وإغراءات الدينا المنصوبة حوله. المسيح هو السيف المغروز في قلب العذراء مريم…. وفي قلب الكنيسة…. وفي قلب كل مسيحي…. سيف الإيمان الذي يفصل بين الحنطة والزوان، والذي يحدد قيام وسقوط كل واحد. القديسة مريم، سوف لا تتذوق نصرة الإيمان ما لم تتقبل أن يكون
القديس كيرلس وتفسيره للأمثال (بإنجيل لوقا)- د. جورج ميشيل – لقاء القاهرة 37 سنة 2007
القديس كيرلس وتفسيره للأمثال (بإنجيل لوقا) د. جورج ميشيل (اقرأ المقال واستمع للمحاضرة) أهمية الأمثال وطريقة شرحها: يُبين القديس كيرلس أهمية الأمثال حيث إنها تشرح لنا بطريقة غير مباشرة ومجازية الكثير مما هو مفيد لبنائنا وتعليمنا. ولكنه يطلب منا أن نتأمل معناها بطريقة مختصرة وملخصة لأنه ليس لنا أن نفحص كل عناصر المثل بتدقيق وتطّفل، لئلا تتسبب المجادلة الطويلة جدًا بإفراطها الزائد، في تعب حتى لأولئك المغرمين بالاستماع وتنهك الناس بكثرة الكلمات. ففي مثل وكيل الظلم مثلاً يقول لو أن واحدًا يأخذ على عاتقه أن يشرح، مَنْ الذي يجب أن نعتبره الإنسان الذي كان له وكيل، أو مَنْ الذي يمكن أن يكون قد وُشي به، وأيضًا مَنْ هم المدينون له ثم خَصم جزء من ديونهم، ولأي سبب قيل إن واحدًا مدين بالزيت والآخر بالقمح، فإنه سيجعل حديثه غامضًا وفي نفس الوقت مطولاً بغير داع، لذلك فليست كل أجزاء المثل هي بالضرورة ومن كل جهة نافعة لشرح ما تشير إليه الأشياء، بل هي قد أُخذت لتكوِّن صورة لأمر هام معين، وهو يقدم درسًا لأجل منفعة السامعين”[1]. الصلاة كل حين بجهاد وصبر: + مَثل المرأة وقاضي الظلم (لو1:18ـ8)[2]: لقد أراد المخلص أن يعلمنا من هذا المثل كيف يجب علينا أن نجاهد وأن نطلب بلا ملل فهو يقول في بداية المثل: ” وقال لهم أيضًا مثلاً في أنه ينبغي أن يُصلى كل حين ولا يُمل“. فهنا ينبغي الأبتعاد عن التكاسل في الصلوات وألا نعتبرها واجبًا شاقًا ومتعبًا. فبالأحرى هنا أن نفرح بسبب حرية الإقتراب التي منحها الله لنا، لأنه يريدنا أن نتحدث معه كأبناء مع أبيهم. إذًا هنا نجد إمتيازًا جديرًا بتقديرنا. فإن الإقتراب بسهولة من أحد الذين لهم سلطان أرضي عظيم، وحرية التحدث معه نعتبره أمرًا يسبب لنا فرحًا غير عادي. فالله يسمح لكل منا أن يقدم طلباته لأجل كل ما نريد وقد وضع أمام الذين يخافونه كرامة حقيقية عظيمة جدًا وجديرة بأن نربحها، فليتوقف كل تكاسل، ولنقترب بالأحرى بتسابيح ونبتهج لكوننا قد أُمرنا أن نتحدث مع رب وإله الكل، والمسيح وسيط لنا، والذي يمنحنا مع الله الآب تحقيقًا لكل توسلاتنا. لقد قال رب المجد لرسله القديسين: ” إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي، أطلبوا تأخذوا” (يو24:16). لذلك فمن واجبنا أن نصلي بلا إنقطاع (1تس17:5) فيجب أن نكون عالمين تمامًا ومتيقنين أن من توسل إليه هو قادر أن يتمم كل شيء. والكتاب يقول: ” ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة لأن المرتاب يشبه موجًا من البحر تخبطه الريح وتدفعه، فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئًا من عند الرب” (يع6:1، 7). لهذا يجب علينا أن نتحاشى هذا المرض، أي مرض الشك وعدم الإيمان والريبة فيمن نطلب منه. والمثل يؤكد لنا أن الله سيميل سمعه لمن يقدمون صلواتهم بلا تكاسل ولا إهمال بل بإجتهاد ومثابرة. لأنه أن كان المجيء المستمر للأرملة المظلومة قد تغَّلب على القاضي الظالم الذي لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا، حتى إنه رغمًا عن إرادته أنصفها، فكيف من يحب الرحمة ويبغض الأثم، ومن يقدم دائمًا يد المعونة لمن يحبونه، فكيف لا يقبل أولئك المتقدمين إليه نهارًا وليلاً ولا ينصفهم إذ هم مختاروه؟ + مَثَل صديق نصف الليل (لو5:11ـ10)[3]. إدانة البر الذاتي: + مَثَل الفريسي والعشار (لو9:18ـ14)[4]: الصلاة بلا إنقطاع أو ملل هي مطلب إنجيلي، ولكن لابد أن تكون بتمييز لئلا نغضب من نتضرع إليه. فهنا في هذا المثال أوضح الفارق بين طريقة صلاة هذين الرجلين. يتضح تمامًا من هذا المثال أخطاء الفريسي الكثيرة، فهو منتفخ لأنه يمتدح نفسه، والكتاب يقول: ” ليمدحك الآخر لا فمك، الأجنبي لا شفتاك” (أم2:27س). من يعيش في حياة الصلاح والقداسة لا يريد أن ينصت لكلمات الإعجاب وكثيرًا ما يخجل من مديح الناس، بل يلتمس أيضًا الصمت من أولئك الذين يمتدحونه. أما هذا الفريسي فهو لا يستحي من أن يمتدح نفسه ويمجّدها على أنه أفضل من الخاطفين والظالمين والزناة. ولكن كيف فات عليه أن كون الإنسان أفضل ممن هم أردياء لا يثبت بالضرورة وكأمر بديهي أنه يكون جديرًا بالإعجاب، بل بالحري عليه أن ينافس هؤلاء الذين في مرتبة أفضل منه، فإن هذا هو الأمر النبيل والذي يدخل الإنسان في مصاف الذين يُمدحون عن إستحقاق. ما المنفعة في أن تصوم مرتين في الأسبوع إن كنت تفعل هذا فقط كمبرر لجهلك وغرورك وتصير متكبرًا وأنانيًا ومتشامخًا؟ أنت تعطي عُشر ممتلكاتك وتتباهى بهذا، لكنك من ناحية أخرى تثير غضب الله بإدانتك للناس عمومًا وإتهامك للآخرين، وأنت نفسك منتفخ رغم أنك لم تُكلّل بالشهادة الإلهية للبر، بل على العكس تكدس المديح لنفسك، إذ يقول النص: ” لأني لست مثل باقي الناس”. لاحظ أنك تكلم الله الذي يعرف كل الأشياء. أنتظر حكم الديان، فليس أحد من ذاته ينال الإكليل بل ينتظر إستدعاء الحكم. فلأنك تصوم بذهن منتفخ، لن تنتفع شيئًا وتعبك سيكون بلا مكافأة. إن الذبيحة التي بها عيب لا تصلح للتقدمة لله (انظر لا 21:22). لذلك فحيث أن صومك مصحوب بالكبرياء فيجب أن تتوقع أن تسمع الله يقول: ” ليس هذا صوم أختاره يقول الرب” (إش 5:58). أنت تقدم العشور لكنك بطريقة أخرى تسيء لمن تكرِّمه بكونك تدين البشر عمومًا. فالإنسان ذو الصحة الجيدة لا ينبغي أن يسخر من إنسان مريض بسبب أنه ملقى وطريح الفراش، بل بالحري يخاف لئلا يصير هو نفسه ضحية لآلام مشابهه. بل حتي وإن كان الإنسان في صحة قوية أكثر من المعتاد فلا ينبغي أن ينال مجدًا بسبب هذا. هذه هي إذًا كانت حالة الفريسي المحب لنفسه. عمل الرحمة: + مَثَل السامري الصالح (لو25:10ـ37)[5] لقد أظهر السيد أن القريب هو ذاك الذي يتجاوز محبة ذاته، فبينما الكاهن واللاوي عبرا بالمصاب دون أن يشعرا نحوه بأي عاطفة إنسانية، وبدون أن ينقِّطا زيت المحبة، ترى السامري الغريب الجنس يتمم ناموس المحبة. المسيح الذي لم يعرف خطية أخذ ضعفاتنا وتحمل أمراضنا وبإصعاده على دابته ذاك الذي كان في حاجة إلى الشفاء جعلنا أعضاء لنفسه وجسده. وقاده إلى الفندق أي الكنيسة. وعند صعوده إلى السموات أعطى لصاحب الفندق ـ الذي يشير إلى الرسل ولمن بعدهم من رعاة ومعلمين ـ دينارين لكي يرعى المريض بإهتمام وأخبره كيف أنه إذا أنفق أكثر من ذلك فهو بنفسه سوف يوفيه عند رجوعه. الديناران هما العهدان، والعهدان هما لإله واحد ويحملان صورة واحدة للملك السماوي الواحد مثل الدينارين حيث أن الروح الذي تكلم في العهدين واحد. لذا فإن الكلمات المقدسة التي للعهدين تختم على قلوبنا نفس صورة الملك وتطبعها. هذه هي النقود التي تُنفق دون أن تنقص بل على العكس تزيد مما يبين إنها في الحقيقة كلمة التعليم الإلهي. ملكوت الله: + مَثَل حبة الخردل: (لو18:13ـ19)[6]. الكرازة بالإنجيل يعطيها
الميلاد البتولى لكلمة الله ومفهوم الابن “البكر” (πρωτοτοκος) – للقديس كيرلس الأسكندري
الميلاد البتولى لكلمة الله ومفهوم الابن ” البكر ” (πρωτοτοκος) للقديس كيرلس الأسكندرى[1] يقول القديس لوقا البشير إن مريم كانت مخطوبة ليوسف، لكي يبيّن أن الحَمْل حدث وهي مخطوبة فقط (راجع لو5:2)، وأن ولادة عمانوئيل كانت معجزية، ولم تكن بحسب قوانين الطبيعة. لأن العذراء القديسة لم تحمل من زرع إنسان. والسؤال هو لماذا حدث هذا؟ المسيح، الذى هو باكورة الجميع، وهو آدم الثانى حسب الكتب، قد وُلد من الروح لكي ينقل هذه النعمة (نعمة الولادة الروحية) إلينا نحن أيضًا. فنحن أيضًا قد أُعِد لنا أن لا نحمل فيما بعد اسم أبناء البشر بل بالأحرى نولد من الله وذلك بحصولنا على الميلاد الجديد من الروح الذى تم في المسيح نفسه أولًا، لكى يكون هو “متقدمًا بين الجميع” (كو15:1) كما يعلن بولس الحكيم جدًا. إن فرصة الإحصاء كانت سببًا مناسبًا جدًا لكى تذهب العذراء إلى بيت لحم لكي نرى نبوة أخرى تتحقق. لأنه مكتوب: “وأنتِ يا بيت لحم أفراته وأنتِ صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنكِ يخرج لي الذى يكون متسلطًا على إسرائيل” (ميخا2:5) ولكن أولئك الذين يجادلون ويقولون، إن كان هو قد جاء في الجسد فتكون العذراء قد فسدت (διεφθαρται)، وإن لم تكن قد فسدت فإنه يكون قد جاء بطريقةٍ خيالية فقط (κατα φαντασιαν). هؤلاء نقول لهم إن النبيّ يعلن: “أن الرب إله إسرائيل قد دخل وخرج، والباب يظل مغلقًا” (حز2:44) وأيضًا إن كان الكلمة قد صار جسدًا بدون تزاوج جسدى، إذ أنه حُمِل به بدون زرع بشر، فإنه إذن وُلد دون أن تُمسّ عذراويتها. “وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد، فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته فى المزود” (لو 6:2،7): ما هو معنى بكرها؟ إن معنى البكر (πρωτοτοκος) هنا ليس أنه الأول بين إخوة عديدين، بل هو ابنها الأول والوحيد، فإن هذا المعنى هو من بين المعاني التي تفسر بها كلمة “البكر”. لأن الكتاب المقدس أحيانًا يسمي الوحيد بالأول كما هو مكتوب “أنا الله، أنا الأول وليس هناك آخر معي” (إش6:44 سبعينية). فلكي يتضح أن العذراء لم تلـد مجرد إنسان (ψιλος ανθρωπω)، لذلك أُضيفت كلـمة “البكر”، وحيث إنها ظلت عذراء فلم يكن لها ابنٌ آخر إلّا ذلك هو من الله الآب، والذي بخصوصه. أعلن الله الآب أيضًا بصوت داود “أنا أيضًا أجعله بكرًا، أعلى من ملوك الأرض” (مز27:89). ويقول عنه بولس الكليّ الحكمة أيضًا: “متى أُدخل البكر إلى العالم يقول، ولتسجد له كل ملائكة الله” (عب6:1). فكيف إذًا دخل إلى العالم؟ لأنه منفصل عن العالم، ليس من جهة المكان بقدر ما هو من جهة الطبيعة. فإنه يختلف عن سكان العالم فى الطبيعة، ولكن دخل إلى العالم بأن صار إنسانًا، وبذلك صار جزءًا من العالم بالتجسد. ورغم أنه هو الابن الوحيد من جهة ألوهيته (θεικως)، إلاّ أنه لكونهِ صار أخًا لنا، فقد أصبح له اسم “البكر”، ولكي يصير هو الباكورة لتبني البشرية، فإنه يمكن أن يجعلنا أيضًا أبناء الله. لذلك لاحظوا، أنه يدعى البكر من جهة التدبير (περι της οικονομιας). لأنه من جهة ألوهيته هو الابن الوحيد. وأيضًا فإنه الابن الوحيد من جهة كونه كلمة الآب الذي ليس له إخوة بالطبيعة ولا يوجد أي كائن مشترك معه. لأن ابن الله المساوى للآب، هو واحد ووحيد (εις γαρ και μονος ο ομοουσιος τω πατρι Υιος του Θεου)، ولكنه يصير بكرًا بتنازلهِ إلى مستوى المخلوقات. لذلك حينما يُدعى الابن الوحيد، فإنه يدعى هكذا دون أن يكون هناك سبب آخر لكونه الابن الوحيد إذ هو الإله الوحيد الجنس الذى في حضن الآب (يو18:1) ولكن حينما تدعوه الكتب الإلهية “بالبكر” فإنها تضيف حالًا علة السبب الذي من أجله حمل هذا اللقب فتقول الكتب “البكر بين إخوة كثيرين” (رو29:8)، وأيضًا “البكر من الأموات” (كو18:1)، ففي المرة الأولى دُعىَّ “بكرًا بين إخوة كثيرين” بسبب أنه صار مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية. وفي المرة الثانية دُعىَّ “البكر من الأموات” لأنه هو الأول الذى أقام جسده إلى حالة عدم الفساد. وأيضًا هو كان دائمًا منذ الأزل الابن الوحـيد بالطبـيعة (κατα φυσιν)، لكـونه الوحيد المولود من الآب، إله من إله، وحيد من وحيد، إله أشرق من إله، نور من نور، ولكنه هو “البكر” لأجلنا نحن حتى عندما يدعى بكرًا للمخلوقات فإن كل من يشابهه يخلص بواسطته. فإن كان هو بالضرورة يصير “البكر” فبالتأكيد لابد أن يكون هناك أولئك الذين يكون هو بكرًا لهم. ولكن إن كان ـ كما يقول يونوميوس (Eunomios) إنه يدعى بكر الله المولود الأول بالنسبة لكثيرين، وإنه هو أيضًا بكر العذراء، ففي هذه الحالة إذًا يلزم أن يصير هو الأول قبل طفل بعده بالنسبة لها. ولكن إن كان يدعى بكر مريم باعتباره ابنها الوحيد و ليس هناك من يأتون بعده، إذًا فهو أيضًا بكر الله لا كالأول بين كثيرين، بل هو المولود الواحد الوحيد. وبالإضافة إلى ذلك إن كان الأول يُعترَف به أنه علّة الثانى، فإن الله هو الأول، وحينئذٍ فالابن هو علة أولئك الذين نالوا لقب الأبناء، لأنهم بواسطتهِ قد حصلوا على هذه التسمية لذلك وهو علة وجود الأبناء الذين أتوا بعده فإنه يدعى البكر بحق. لا لأنه هو أولهم، بل لكونه العلة الأولى لحصولهم على لقب التبني. وكما أن الآب يُدعى الأول لأنه يقول “أنا الأول وأنا بعد هذه الأشياء” (إش4:41)، وهو بالتأكيد لا يريدنا أن نعتبره أنه مشابه في الطبيعة لأولئك الذين يأتون بعده، هكذا أيضًا فرغم أن الابن يدعى بكر الخليقة، أو البكر قبل كل الخليقة، فهذا ليس معناه أنه واحد من الأشياء المخلوقة، بل كما أن الآب قال “أنا الأول” لكي يوضح أنه أصل كل الأشياء فبنفس المعنى يُدعى الابن أيضًا بكر الخليقة. “فإن كل الأشياء خُلقت به” (يو3:1). فكخالق وصانع للعالم هو بداية كل الأشياء المخلوقة وأصلها. ——————————————————————————— [1] * عن كتاب تفسير إنجيل لوقا (الجزء الأول) للقديس كيرلس الأسكندرى، ترجمة الدكتور نصحى عبدالشهيد مايو 1990م. إصدار مركز دراسات الآباء ـ القاهرة.
التوبة: محبة الابن وفرح الآب – المتنيح د. وهيب قزمان
+ حبك غصبك وتجسدت لأجلنا: التوبة هي إستجابة قلب الإنسان لمحبة الله المتدفقة، التي تجلَّت في ميلاده من العذراء مريم، إذ غصبه حبه حتى تجسد من أجلنا. هذه الإستجابة هي رجوع الإنسان إلى أحضان الله، والإلتفات للمسيح بقلوبنا الهزيلة، لنلتقي به في عمق القلب والنفس. ومهما كانت خطايانا فإن نور محبته وقدرة نعمته تخترق هذه الأعماق، لأنه ” أشرق على الجالسين في الظلمة وظلال الموت”. + من محبة الذات إلى محبة الرب يسوع: إن يسوعنا يعطف علينا بلا حدود، حتى يجعل الخاطئ يتحول من عشق شهواته ونجاساته إلى محبة مخلصنا وفادينا، ] لأن المحبة الإلهية عندما تهبط على الإنسان بغزارة، فإنها تجعل النفس تنجذب إلى الله بقوة[ ، لأنه قدم نفسه عن خطايانا جميعًا…. يسوع الذي لم يدعنا عبيدًا فحسب بل أحباء وأخصاء لأنه ” صديق الخطاة”، بل و” محب العشارين”. + التوبة فرح الآب : توبة الإنسان جهاد ورجوع إلى الله وإعتراف بالخطية، وندم وشعور بعدم الاستحقاق ” إجعلني كأحد أجراك” (لو19:15)، أي أن التوبة تعني رجوع الابن الضال إلى حضن الآب، وفرح الآب، الله يشعر أن الإنسان كان ميتًا بالخطية فعاش بالتوبة. ومن أجل هذا يركض الله ويقع على عنقه ويقبله. الله يجد ويبحث عن الخروف الضال، ومتى وجده يضعه على منكبيه فرحًا (لو5:15)، ويفتش بإجتهاد عن الدرهم المفقود، وإذا وجده يدعو الملائكة بلسان المرأة التي أضاعت الدرهم قائلاً: ” أفرحن معي أني وجدت الدرهم الذي أضعته” (لو9:15). ” فالسماء تفرح” (لو7:15)، والملائكة تفرح (لو10:15) والآب السماوي يقول ” نأكل ونفرح” (لو23:15)، وجميع مَنْ في البيت (الكنيسة والسماء) يفرحون (لو24:15). والآب السماوي يقول: ” كان ينبغي أن تفرح وتُسرَّ لأن أخاك هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالاً فوُجد” (لو32:15). التوبة أعظم تقدمه تفرح قلب الله: نحن نستعيد بالتوبة مكانتنا الأولى في حضن الآب، ونُحمل على منكبي المسيح. ولكن ينبغي إلاّ ننسى النصيب العظيم الذي يسر به الرب من توبتنا: إنه الفرح … الفرح … الفرح. لقد قدّم الشهداء دمائهم والنساك أتعابهم، وأنا اليوم ماذا أقدم للرب؟ إن التوبة والرجوع لله تقدمة رائعة تفرح قلبه. فهيا بنا يا أخي نُفرِح قلب الآب ونتوب، هيا بنا نُسعد قلب الله، ونقدم له تقدمة رائعة جدًا، تُضاف إلى تقدمات الشهداء والقديسين. هيا بنا نتوب كل يوم وكل لحظة. ليكون الآب فرحًا دائمًا: نقف في الصلاة كتائبين، ونخدم كتائبين مقدمين ليسوع أعظم عطية: خروفًا يضعه على منكبيه. أو ابنًا على عنقه ويقبله. + ربي يسوع: سأعيش بنعمتك كل أيام حياتي في التوبة، لكي أعيش دائمًا في حضنك وأفرّح قلبك بي. + ربي يسوع: سأخدمك في كنيستك، ساعيًا لرجوع الضالين لأفرّح قلبك برجوعهم إليك أمين. التوبة نقطة إنطلاق الأخبار السارة : القديس يوحنا المعمدان وربنا يسوع المسيح كلاهما يبدأن كرازتهما بنفس الكلمات المشجعة ” توبوا لأنه قد أقترب ملكوت السموات” (مت2:3). هذه هي نقطة بداية الأخبار السارة؛ إنها التوبة. بدون التوبة لا يمكن أن تكون هناك حياة جديدة ولا خلاص، ولا دخول إلى الملكوت. وعندما نتحول من “الكتاب” إلى الآباء، نجد نفس الحقيقة يتم التأكيد عليها بقوة. فعندما سُئل أنبا ميلسيوس عما يفعل في الصحراء، أجاب ” جئت هنا لأبكي لأجل خطاياي” ، وهذه التوبة ليست مجرد مرحلة تمهيدية فقطن بل تستمر طوال الحياة. وبينما كان أنبا صيصوي راقدًا على فراش الموت، ويحيط به تلاميذه، رأوه وكأنه يكلم شخصًا. فسأله تلاميذ: مع من تتحدث يا أبانا؟ أجاب ” ها إني أرى الملائكة وقد أتوا ليحملونني، وأنا أستعطفهم أن يمهلوني قليلاً… بعض الوقت لكي أتوب، فقال له تلاميذه: ]لا حاجة لك للتوبة يا أبانا[ فأجابهم الشيخ ]في الحقيقة أنا لست متأكدًا إن كنت قد بدأت أتوب أم لا[ . التوبة حياة مستمرة: والقديس مرقس الناسك يصر على ] أنه ليس أحد صالح ورحيم مثل الله، ولكنه لا يغفر لمن لا يتوب… وصايا الله يمكن أن تُختزل في التوبة. ونحن لا نُدان بسبب تعدياتنا الكثيرة، بل بسبب رفضنا أن نتوب. لأنه التوبة تظل ناقصة حتى تكتمل عند لحظة الموت[ . ويقول أنبا إشعياء الإسقيطي ] إن ربنا يسوع المسيح أوصانا أن نستمر في التوبة حتى آخر نفس. لأنه لو لم تكن هناك توبة لما خلص أحد[ . والقديس مار إسحق السرياني يقول: ] خلال الأربعة والعشرين ساعة يوميًا نحن نحتاج إلى التوبة في كل لحظة من لحظات هذه الساعات[ . صلاة يسوع: إن صلاة يسوع التي تُمارس اليوم بكثرة عما كانت تُمارس منذ خمسين عامًا مضت، هي صلاة توبة أساسًا، وخاصة حين تُستعمل في صيغتها الطويلة: ” يا ربي يسوع المسيح، ابن الله، أرحمني أنا الخاطئ”. ويجب أن نضع في إعتبارنا الإصرار المستمر على التوبة. رجاء من ليس له رجاء: إن ما نحضره أمام المسيح في الاعتراف ليس مجرد خطايا خاصة معينة، بل أيضًا نحضر أمامه حقيقة حالة الإثم العميقة التي في داخلنا…أي الفساد العميق جدًا الذي لا يمكن التعبير عنه تمامًا بالكلمات، والذي يبدو أنه يتملص ويراوغ أمام ذهننا الواعي وإرادتنا. فنحن نسأل ونطلب أن نُُشفى من هذا الفساد، أهم من كل شيء آخر. إن الإعتراف كسر شفاء ليس هو مجرد أمر ضروري مؤلم، أو نظام مفروض علينا من سلطة الكنيسة، بل هو عمل مملوء بالفرح والنعمة المخلصة، فبواسطة الإعتراف نتعلم أن الله هو في الحقيقة الكاملة ” رجاء من ليس له رجاء” (قداس القديس باسيليوس) إذن فالتوبة والإعتراف ليسا مجرد شيء يمكن أن نفعله بأنفسنا فقط، أو بمساعدة الكاهن، بل هما شيء يقوم الله بعمله معنا، وفي كل من المعترف والكاهن، وبكلمات القديس يوحنا ذهبي الفم: ] دعونا نطبق على أنفسنا دواء التوبة الخلاصي، دعونا نقبل من الله التوبة التي تشفينا. فلسنا نحن الذين نقدم التوبة لله، بل بالأحرى هو الذي ينعم علينا بالتوبة[ . الإفخارستيا رحلة توبة، للتمتع بالمجد الإلهي : الكنيسة كيان “ليتورجي” يتحقق وجوده بتمجيد الله، ويبلغ كماله في العبادة الليتورجية، التي وضعت فيها الكنيسة كل خبرتها الإيمانية والروحية، في أبهى وأتم صورة. والإفخارستيا (القداس الإلهي) هي مركز وقلب العبادة الليتورجية، بل هي سر الكنيسة. فالمسيحيون يقيمون الإفخارستيا، والإفخارستيا تُقيم المسيحيين. وإن كنا نحن جميعًا مدعوين لأن نعيش حياة التوبة طوال أيام غربتنا على هذه الأرض، فإن القداس الإلهي رحلة توبة، فيها نتغير عن شكلنا وفكرنا مُعترفين بخطايانا، إكليروس وشعب، إذ يقول الأب الكاهن ” أيها الرب العارف قلب كل أحد، القدوس المستريح في قديسيه، الذي بلا خطية والقادر على مغفرة الخطايا. أنت تعلم إني غير مستحق ولا مستعد ولا مستوجب لهذه الخدمة المقدسة، وليس لي وجه أن أقترب وأفتح فمي أمام مجدك الأقدس، بل ككثرة رأفتك إغفر لي أنا الخاطئ، أمتحن أن أجد نعمة ورحمة في هذه الساعة ”
لماذا نزل الروح القدس على المسيح في المعمودية؟ – القديس كيرلس الكبير
يجيب القديس كيرلس عن السؤال: لماذا نزل الروح القدس على المسيح في المعمودية؟ يعلق القديس كيرلس على معمودية المسيح بواسطة المعمدان ونزول الروح القدس على المسيح وهو في نهر الأردن، فيقول إن المسيح إعتمد ليس لأنه يحتاج إلى المعمودية، بل لأنه وهو الكلمة الذي صار إنسانًا، ولذلك فهو يقبل الأمور التي تختص بحالة الإنسان لأجل خطة الخلاص. فالمسيح لا يحتاج إلى المعمودية التي يتم بها غفران الخطايا، وهو لم يكن فيه شيء من الخطية فهو ” لم يفعل خطية ولم يوجد في فمه غش” (1بط22:2). وهو ” قدوس بلا شر ولا دنس قد إنفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات” (عب26:7). ثم يشرح القديس كيرلس سر المسيح، بأن المسيح غير منفصل عن الروح القدس، لأن الروح القدس منبثق حقًا من الآب ولكنه خاص بالإبن، وكثيرًا ما يُدعى روح المسيح يقول الرسول ” إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس للمسيح” (رو9:8). وأيضًا ” أرسل الله روح إبنه إلى قلوبكم” (غلا6:4). فالروح القدس ينبثق حقًا من الله الآب ولكن كلمته الوحيد لأنه هو بالطبيعة الإبن، يعطي الروح للخليقة ويمنحه لمن يستحقون. فكيف ينال المسيح الروح القدس وهو نفسه يعطي الروح للناس ويعمدهم بالروح. هنا يوضح السر أن المسيح ” إذ كان في صورة الله وهو مساوٍ لله بالطبيعة، لكنه أخذ صورة عبد” وجعل نفسه فقيرًا. هو بحسب إلوهيته ليس محتاجًا للمعمودية، وليس محتاجًا للروح القدس لأن الروح معه ولا يفارقه. ولكن بسبب محبة الله للإنسان أخلى الإبن نفسه وتنازل ليتخذ شكلنا، ولكي يعطينا الروح القدس عن طريق المعمودية لنصير شركاء الطبيعة الإلهية وننال نعمة التبني، فإنه صار من أجلنا نموذجًا لنا وطريقًا لكل عمل صالح. فلكي نعرف قوة المعمودية نفسها والنعمة العظيمة التي نحصل عليها بنوالها فإنه يبدأ المعمودية بنفسه. وعندما أعتمد إنفتحت السماء ونزل عليه الروح. إذ كبداية ثانية لجنسنا جاء الروح على المسيح أولاً، وقد تأله ليس لأجل نفسه بل لأجلنا، لأننا بواسطته وفيه (في المسيح) نغتني بكل الأشياء. فالمسيح في وضع الإخلاء بالتجسد ينال الروح ليعطيه لنا في المعمودية، إذ هو وحده الذي يعمد بالروح القدس الذي يخصه وهو الذي يعطيه رغم أنه غير منبثق منه بل من الآب. استمع لمحاضرة الدكتور نصحي عبد الشهيد التي ألقاها في لقاء القاهرة رقم 37 بالمركز الارثوذكسي للدراسات الابائية عام 2007 من هنا Author د. نصحي عبد الشهيد View all posts
لماذا نزل الروح القدس على المسيح في المعمودية؟ – القديس كيرلس الكبير
يجيب القديس كيرلس عن السؤال: لماذا نزل الروح القدس على المسيح في المعمودية؟ يعلق القديس كيرلس على معمودية المسيح بواسطة المعمدان ونزول الروح القدس على المسيح وهو في نهر الأردن، فيقول إن المسيح إعتمد ليس لأنه يحتاج إلى المعمودية، بل لأنه وهو الكلمة الذي صار إنسانًا، ولذلك فهو يقبل الأمور