شروحات آبائية

القديس كيرلس وتفسيره للأمثال (بإنجيل لوقا)- د. جورج ميشيل – لقاء القاهرة 37 سنة 2007

القديس كيرلس وتفسيره للأمثال (بإنجيل لوقا) د. جورج ميشيل (اقرأ المقال واستمع للمحاضرة)   أهمية الأمثال وطريقة شرحها: يُبين القديس كيرلس أهمية الأمثال حيث إنها تشرح لنا بطريقة غير مباشرة ومجازية الكثير مما هو مفيد لبنائنا وتعليمنا. ولكنه يطلب منا أن نتأمل معناها بطريقة مختصرة وملخصة لأنه ليس لنا أن نفحص كل عناصر المثل بتدقيق وتطّفل، لئلا تتسبب المجادلة الطويلة جدًا بإفراطها الزائد، في تعب حتى لأولئك المغرمين بالاستماع وتنهك الناس بكثرة الكلمات. ففي مثل وكيل الظلم مثلاً يقول لو أن واحدًا يأخذ على عاتقه أن يشرح، مَنْ الذي يجب أن نعتبره الإنسان الذي كان له وكيل، أو مَنْ الذي يمكن أن يكون قد وُشي به، وأيضًا مَنْ هم المدينون له ثم خَصم جزء من ديونهم، ولأي سبب قيل إن واحدًا مدين بالزيت والآخر بالقمح، فإنه سيجعل حديثه غامضًا وفي نفس الوقت مطولاً بغير داع، لذلك فليست كل أجزاء المثل هي بالضرورة ومن كل جهة نافعة لشرح ما تشير إليه الأشياء، بل هي قد أُخذت لتكوِّن صورة لأمر هام معين، وهو يقدم درسًا لأجل منفعة السامعين”[1].   الصلاة كل حين بجهاد وصبر: + مَثل المرأة وقاضي الظلم (لو1:18ـ8)[2]: لقد أراد المخلص أن يعلمنا من هذا المثل كيف يجب علينا أن نجاهد وأن نطلب بلا ملل فهو يقول في بداية المثل: ” وقال لهم أيضًا مثلاً في أنه ينبغي أن يُصلى كل حين ولا يُمل“. فهنا ينبغي الأبتعاد عن التكاسل في الصلوات وألا نعتبرها واجبًا شاقًا ومتعبًا. فبالأحرى هنا أن نفرح بسبب حرية الإقتراب التي منحها الله لنا، لأنه يريدنا أن نتحدث معه كأبناء مع أبيهم. إذًا هنا نجد إمتيازًا جديرًا بتقديرنا. فإن الإقتراب بسهولة من أحد الذين لهم سلطان أرضي عظيم، وحرية التحدث معه نعتبره أمرًا يسبب لنا فرحًا غير عادي. فالله يسمح لكل منا أن يقدم طلباته لأجل كل ما نريد وقد وضع أمام الذين يخافونه كرامة حقيقية عظيمة جدًا وجديرة بأن نربحها، فليتوقف كل تكاسل، ولنقترب بالأحرى بتسابيح ونبتهج لكوننا قد أُمرنا أن نتحدث مع رب وإله الكل، والمسيح وسيط لنا، والذي يمنحنا مع الله الآب تحقيقًا لكل توسلاتنا. لقد قال رب المجد لرسله القديسين: ” إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي، أطلبوا تأخذوا” (يو24:16). لذلك فمن واجبنا أن نصلي بلا إنقطاع (1تس17:5) فيجب أن نكون عالمين تمامًا ومتيقنين أن من توسل إليه هو قادر أن يتمم كل شيء. والكتاب يقول: ” ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة لأن المرتاب يشبه موجًا من البحر تخبطه الريح وتدفعه، فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئًا من عند الرب” (يع6:1، 7). لهذا يجب علينا أن نتحاشى هذا المرض، أي مرض الشك وعدم الإيمان والريبة فيمن نطلب منه. والمثل يؤكد لنا أن الله سيميل سمعه لمن يقدمون صلواتهم بلا تكاسل ولا إهمال بل بإجتهاد ومثابرة. لأنه أن كان المجيء المستمر للأرملة المظلومة قد تغَّلب على القاضي الظالم الذي لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا، حتى إنه رغمًا عن إرادته أنصفها، فكيف من يحب الرحمة ويبغض الأثم، ومن يقدم دائمًا يد المعونة لمن يحبونه، فكيف لا يقبل أولئك المتقدمين إليه نهارًا وليلاً ولا ينصفهم إذ هم مختاروه؟ + مَثَل صديق نصف الليل (لو5:11ـ10)[3].   إدانة البر الذاتي: + مَثَل الفريسي والعشار (لو9:18ـ14)[4]: الصلاة بلا إنقطاع أو ملل هي مطلب إنجيلي، ولكن لابد أن تكون بتمييز لئلا نغضب من نتضرع إليه. فهنا في هذا المثال أوضح الفارق بين طريقة صلاة هذين الرجلين. يتضح تمامًا من هذا المثال أخطاء الفريسي الكثيرة، فهو منتفخ لأنه يمتدح نفسه، والكتاب يقول: ” ليمدحك الآخر لا فمك، الأجنبي لا شفتاك” (أم2:27س). من يعيش في حياة الصلاح والقداسة لا يريد أن ينصت لكلمات الإعجاب وكثيرًا ما يخجل من مديح الناس، بل يلتمس أيضًا الصمت من أولئك الذين يمتدحونه. أما هذا الفريسي فهو لا يستحي من أن يمتدح نفسه ويمجّدها على أنه أفضل من الخاطفين والظالمين والزناة. ولكن كيف فات عليه أن كون الإنسان أفضل ممن هم أردياء لا يثبت بالضرورة وكأمر بديهي أنه يكون جديرًا بالإعجاب، بل بالحري عليه أن ينافس هؤلاء الذين في مرتبة أفضل منه، فإن هذا هو الأمر النبيل والذي يدخل الإنسان في مصاف الذين يُمدحون عن إستحقاق. ما المنفعة في أن تصوم مرتين في الأسبوع إن كنت تفعل هذا فقط كمبرر لجهلك وغرورك وتصير متكبرًا وأنانيًا ومتشامخًا؟ أنت تعطي عُشر ممتلكاتك وتتباهى بهذا، لكنك من ناحية أخرى تثير غضب الله بإدانتك للناس عمومًا وإتهامك للآخرين، وأنت نفسك منتفخ رغم أنك لم تُكلّل بالشهادة الإلهية للبر، بل على العكس تكدس المديح لنفسك، إذ يقول النص: ” لأني لست مثل باقي الناس”. لاحظ أنك تكلم الله الذي يعرف كل الأشياء. أنتظر حكم الديان، فليس أحد من ذاته ينال الإكليل بل ينتظر إستدعاء الحكم. فلأنك تصوم بذهن منتفخ، لن تنتفع شيئًا وتعبك سيكون بلا مكافأة. إن الذبيحة التي بها عيب لا تصلح للتقدمة لله (انظر لا 21:22). لذلك فحيث أن صومك مصحوب بالكبرياء فيجب أن تتوقع أن تسمع الله يقول: ” ليس هذا صوم أختاره يقول الرب” (إش 5:58). أنت تقدم العشور لكنك بطريقة أخرى تسيء لمن تكرِّمه بكونك تدين البشر عمومًا. فالإنسان ذو الصحة الجيدة لا ينبغي أن يسخر من إنسان مريض بسبب أنه ملقى وطريح الفراش، بل بالحري يخاف لئلا يصير هو نفسه ضحية لآلام مشابهه. بل حتي وإن كان الإنسان في صحة قوية أكثر من المعتاد فلا ينبغي أن ينال مجدًا بسبب هذا. هذه هي إذًا كانت حالة الفريسي المحب لنفسه. عمل الرحمة: + مَثَل السامري الصالح (لو25:10ـ37)[5] لقد أظهر السيد أن القريب هو ذاك الذي يتجاوز محبة ذاته، فبينما الكاهن واللاوي عبرا بالمصاب دون أن يشعرا نحوه بأي عاطفة إنسانية، وبدون أن ينقِّطا زيت المحبة، ترى السامري الغريب الجنس يتمم ناموس المحبة. المسيح الذي لم يعرف خطية أخذ ضعفاتنا وتحمل أمراضنا وبإصعاده على دابته ذاك الذي كان في حاجة إلى الشفاء جعلنا أعضاء لنفسه وجسده. وقاده إلى الفندق أي الكنيسة. وعند صعوده إلى السموات أعطى لصاحب الفندق ـ الذي يشير إلى الرسل ولمن بعدهم من رعاة ومعلمين ـ دينارين لكي يرعى المريض بإهتمام وأخبره كيف أنه إذا أنفق أكثر من ذلك فهو بنفسه سوف يوفيه عند رجوعه. الديناران هما العهدان، والعهدان هما لإله واحد ويحملان صورة واحدة للملك السماوي الواحد مثل الدينارين حيث أن الروح الذي تكلم في العهدين واحد. لذا فإن الكلمات المقدسة التي للعهدين تختم على قلوبنا نفس صورة الملك وتطبعها. هذه هي النقود التي تُنفق دون أن تنقص بل على العكس تزيد مما يبين إنها في الحقيقة كلمة التعليم الإلهي. ملكوت الله: + مَثَل حبة الخردل: (لو18:13ـ19)[6]. الكرازة بالإنجيل يعطيها

القديس كيرلس وتفسيره للأمثال (بإنجيل لوقا)- د. جورج ميشيل – لقاء القاهرة 37 سنة 2007 قراءة المزيد »

الميلاد البتولى لكلمة الله ومفهوم الابن “البكر” (πρωτοτοκος) – للقديس كيرلس الأسكندري

الميلاد البتولى لكلمة الله ومفهوم الابن ” البكر ” (πρωτοτοκος) للقديس كيرلس الأسكندرى[1]   يقول القديس لوقا البشير إن مريم كانت مخطوبة ليوسف، لكي يبيّن أن الحَمْل حدث وهي مخطوبة فقط (راجع لو5:2)، وأن ولادة عمانوئيل كانت معجزية، ولم تكن بحسب قوانين الطبيعة. لأن العذراء القديسة لم تحمل من زرع إنسان. والسؤال هو لماذا حدث هذا؟ المسيح، الذى هو باكورة الجميع، وهو آدم الثانى حسب الكتب، قد وُلد من الروح لكي ينقل هذه النعمة (نعمة الولادة الروحية) إلينا نحن أيضًا. فنحن أيضًا قد أُعِد لنا أن لا نحمل فيما بعد اسم أبناء البشر بل بالأحرى نولد من الله وذلك بحصولنا على الميلاد الجديد من الروح الذى تم في المسيح نفسه أولًا، لكى يكون هو “متقدمًا بين الجميع” (كو15:1) كما يعلن بولس الحكيم جدًا. إن فرصة الإحصاء كانت سببًا مناسبًا جدًا لكى تذهب العذراء إلى بيت لحم لكي نرى نبوة أخرى تتحقق. لأنه مكتوب: “وأنتِ يا بيت لحم أفراته وأنتِ صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنكِ يخرج لي الذى يكون متسلطًا على إسرائيل” (ميخا2:5) ولكن أولئك الذين يجادلون ويقولون، إن كان هو قد جاء في الجسد فتكون العذراء قد فسدت (διεφθαρται)، وإن لم تكن قد فسدت فإنه يكون قد جاء بطريقةٍ خيالية فقط (κατα φαντασιαν). هؤلاء نقول لهم إن النبيّ يعلن: “أن الرب إله إسرائيل قد دخل وخرج، والباب يظل مغلقًا” (حز2:44) وأيضًا إن كان الكلمة قد صار جسدًا بدون تزاوج جسدى، إذ أنه حُمِل به بدون زرع بشر، فإنه إذن وُلد دون أن تُمسّ عذراويتها.   “وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد، فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته فى المزود” (لو 6:2،7):   ما هو معنى بكرها؟ إن معنى البكر (πρωτοτοκος) هنا ليس أنه الأول بين إخوة عديدين، بل هو ابنها الأول والوحيد، فإن هذا المعنى هو من بين المعاني التي تفسر بها كلمة “البكر”. لأن الكتاب المقدس أحيانًا يسمي الوحيد بالأول كما هو مكتوب “أنا الله، أنا الأول وليس هناك آخر معي” (إش6:44 سبعينية). فلكي يتضح أن العذراء لم تلـد مجرد إنسان (ψιλος ανθρωπω)، لذلك أُضيفت كلـمة “البكر”، وحيث إنها ظلت عذراء فلم يكن لها ابنٌ آخر إلّا ذلك هو من الله الآب، والذي بخصوصه. أعلن الله الآب أيضًا بصوت داود “أنا أيضًا أجعله بكرًا، أعلى من ملوك الأرض” (مز27:89). ويقول عنه بولس الكليّ الحكمة أيضًا: “متى أُدخل البكر إلى العالم يقول، ولتسجد له كل ملائكة الله” (عب6:1). فكيف إذًا دخل إلى العالم؟ لأنه منفصل عن العالم، ليس من جهة المكان بقدر ما هو من جهة الطبيعة. فإنه يختلف عن سكان العالم فى الطبيعة، ولكن دخل إلى العالم بأن صار إنسانًا، وبذلك صار جزءًا من العالم بالتجسد. ورغم أنه هو الابن الوحيد من جهة ألوهيته (θεικως)، إلاّ أنه لكونهِ صار أخًا لنا، فقد أصبح له اسم “البكر”، ولكي يصير هو الباكورة لتبني البشرية، فإنه يمكن أن يجعلنا أيضًا أبناء الله. لذلك لاحظوا، أنه يدعى البكر من جهة التدبير (περι της οικονομιας). لأنه من جهة ألوهيته هو الابن الوحيد. وأيضًا فإنه الابن الوحيد من جهة كونه كلمة الآب الذي ليس له إخوة بالطبيعة ولا يوجد أي كائن مشترك معه. لأن ابن الله المساوى للآب، هو واحد ووحيد (εις γαρ και μονος ο ομοουσιος τω πατρι Υιος του Θεου)، ولكنه يصير بكرًا بتنازلهِ إلى مستوى المخلوقات. لذلك حينما يُدعى الابن الوحيد، فإنه يدعى هكذا دون أن يكون هناك سبب آخر لكونه الابن الوحيد إذ هو الإله الوحيد الجنس الذى في حضن الآب (يو18:1) ولكن حينما تدعوه الكتب الإلهية “بالبكر” فإنها تضيف حالًا علة السبب الذي من أجله حمل هذا اللقب فتقول الكتب “البكر بين إخوة كثيرين” (رو29:8)، وأيضًا “البكر من الأموات” (كو18:1)، ففي المرة الأولى دُعىَّ “بكرًا بين إخوة كثيرين” بسبب أنه صار مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية. وفي المرة الثانية دُعىَّ “البكر من الأموات” لأنه هو الأول الذى أقام جسده إلى حالة عدم الفساد. وأيضًا هو كان دائمًا منذ الأزل الابن الوحـيد بالطبـيعة (κατα φυσιν)، لكـونه الوحيد المولود من الآب، إله من إله، وحيد من وحيد، إله أشرق من إله، نور من نور، ولكنه هو “البكر” لأجلنا نحن حتى عندما يدعى بكرًا للمخلوقات فإن كل من يشابهه يخلص بواسطته. فإن كان هو بالضرورة يصير “البكر” فبالتأكيد لابد أن يكون هناك أولئك الذين يكون هو بكرًا لهم. ولكن إن كان ـ كما يقول يونوميوس (Eunomios) إنه يدعى بكر الله المولود الأول بالنسبة لكثيرين، وإنه هو أيضًا بكر العذراء، ففي هذه الحالة إذًا يلزم أن يصير هو الأول قبل طفل بعده بالنسبة لها. ولكن إن كان يدعى بكر مريم باعتباره ابنها الوحيد و ليس هناك من يأتون بعده، إذًا فهو أيضًا بكر الله لا كالأول بين كثيرين، بل هو المولود الواحد الوحيد. وبالإضافة إلى ذلك إن كان الأول يُعترَف به أنه علّة الثانى، فإن الله هو الأول، وحينئذٍ فالابن هو علة أولئك الذين نالوا لقب الأبناء، لأنهم بواسطتهِ قد حصلوا على هذه التسمية لذلك وهو علة وجود الأبناء الذين أتوا بعده فإنه يدعى البكر بحق. لا لأنه هو أولهم، بل لكونه العلة الأولى لحصولهم على لقب التبني. وكما أن الآب يُدعى الأول لأنه يقول “أنا الأول وأنا بعد هذه الأشياء” (إش4:41)، وهو بالتأكيد لا يريدنا أن نعتبره أنه مشابه في الطبيعة لأولئك الذين يأتون بعده، هكذا أيضًا فرغم أن الابن يدعى بكر الخليقة، أو البكر قبل كل الخليقة، فهذا ليس معناه أنه واحد من الأشياء المخلوقة، بل كما أن الآب قال “أنا الأول” لكي يوضح أنه أصل كل الأشياء فبنفس المعنى يُدعى الابن أيضًا بكر الخليقة. “فإن كل الأشياء خُلقت به” (يو3:1). فكخالق وصانع للعالم  هو بداية كل الأشياء المخلوقة وأصلها.   ——————————————————————————— [1] * عن كتاب تفسير إنجيل لوقا (الجزء الأول) للقديس كيرلس الأسكندرى،  ترجمة الدكتور نصحى عبدالشهيد مايو 1990م. إصدار مركز دراسات الآباء ـ القاهرة.

الميلاد البتولى لكلمة الله ومفهوم الابن “البكر” (πρωτοτοκος) – للقديس كيرلس الأسكندري قراءة المزيد »

لماذا نزل الروح القدس على المسيح في المعمودية؟ – القديس كيرلس الكبير

يجيب القديس كيرلس عن السؤال: لماذا نزل الروح القدس على المسيح في المعمودية؟ يعلق القديس كيرلس على معمودية المسيح بواسطة المعمدان ونزول الروح القدس على المسيح وهو في نهر الأردن، فيقول إن المسيح إعتمد ليس لأنه يحتاج إلى المعمودية، بل لأنه وهو الكلمة الذي صار إنسانًا، ولذلك فهو يقبل الأمور التي تختص بحالة الإنسان لأجل خطة الخلاص. فالمسيح لا يحتاج إلى المعمودية التي يتم بها غفران الخطايا، وهو لم يكن فيه شيء من الخطية فهو ” لم يفعل خطية ولم يوجد في فمه غش” (1بط22:2). وهو ” قدوس بلا شر ولا دنس قد إنفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات” (عب26:7). ثم يشرح القديس كيرلس سر المسيح، بأن المسيح غير منفصل عن الروح القدس، لأن الروح القدس منبثق حقًا من الآب ولكنه خاص بالإبن، وكثيرًا ما يُدعى روح المسيح يقول الرسول ” إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس للمسيح” (رو9:8). وأيضًا ” أرسل الله روح إبنه إلى قلوبكم” (غلا6:4). فالروح القدس ينبثق حقًا من الله الآب ولكن كلمته الوحيد لأنه هو بالطبيعة الإبن، يعطي الروح للخليقة ويمنحه لمن يستحقون. فكيف ينال المسيح الروح القدس وهو نفسه يعطي الروح للناس ويعمدهم بالروح. هنا يوضح السر أن المسيح ” إذ كان في صورة الله وهو مساوٍ لله بالطبيعة، لكنه أخذ صورة عبد” وجعل نفسه فقيرًا. هو بحسب إلوهيته ليس محتاجًا للمعمودية، وليس محتاجًا للروح القدس لأن الروح معه ولا يفارقه. ولكن بسبب محبة الله للإنسان أخلى الإبن نفسه وتنازل ليتخذ شكلنا، ولكي يعطينا الروح القدس عن طريق المعمودية لنصير شركاء الطبيعة الإلهية وننال نعمة التبني، فإنه صار من أجلنا نموذجًا لنا وطريقًا لكل عمل صالح. فلكي نعرف قوة المعمودية نفسها والنعمة العظيمة التي نحصل عليها بنوالها فإنه يبدأ المعمودية بنفسه. وعندما أعتمد إنفتحت السماء ونزل عليه الروح. إذ كبداية ثانية لجنسنا جاء الروح على المسيح أولاً، وقد تأله ليس لأجل نفسه بل لأجلنا، لأننا بواسطته وفيه (في المسيح) نغتني بكل الأشياء. فالمسيح في وضع الإخلاء بالتجسد ينال الروح ليعطيه لنا في المعمودية، إذ هو وحده الذي يعمد بالروح القدس الذي يخصه وهو الذي يعطيه رغم أنه غير منبثق منه بل من الآب. استمع لمحاضرة الدكتور نصحي عبد الشهيد التي ألقاها في لقاء القاهرة رقم 37 بالمركز الارثوذكسي للدراسات الابائية عام 2007 من هنا

لماذا نزل الروح القدس على المسيح في المعمودية؟ – القديس كيرلس الكبير قراءة المزيد »

Shopping Cart
Scroll to Top