شرح وتفسير سفر حبقوق

يعتبر تفسير القديس كيرلس الإسكندري لسفر حبقوق واحد من أعماله التفسيرية لأسفار الأنبياء الصغار الاثني عشر، حيث يقدم شرحًا كاملاً لكل آيات السفر مستندا على الترجمة السبعينية للنص، وجمع القديس كيرلس ما بين التفسير الروحي الرمزي لمدرسة الإسكندرية والتفسير التاريخي الحرفي للسفر.

اتبع القديس كيرلس في تفسيره للإصحاحين الأولين نفس المنهجية، فنجد أن حَبَقُّوق ‏يتحدث فيهما عن الوضع الأخلاقي الكارثي في اليهودية، واقتراب الغزو المزمع. وهنا نجد أن ‏القديس كيرلس يتبع منهجين في تفسير النص، الأول تاريخيٌ متتبعًا الأحداث التاريخية التي ‏حدثت وتأثيرها على اليهود، والثاني روحيٌ، متتبعًا المعنى الروحي والرمزي للآيات. فنجده مثلاً ‏يشير إلى أن الملك البابلي يمثل الشيطان رمزيًا، واليهود المعاصرين لحَبَقُّوق هم بالنسبة له مجمع ‏اليهود المعاصر للمسيح الذي بسبب شرورهم وظلمهم لابن الله استحقوا العقاب، ومناجاة ‏حَبَقُّوق لله وبغضه لأوضاع أمة اليهود مثال لموقف المؤمنين القديسين من الشر، والقضاة الذي ‏يحكمون بالرشوة والظلم، مثال لمجمع اليهود الذي سلم المسيح لبيلاطس، وشجر الأرز رمزًا ‏للقديسين الذين يرتفعون فوق كل وضاعة الشر، والذين ينشرون الرائحة الحسنة في كل ‏المسكونة، ولبنان ذاتها تشير إلى الكنيسة.

أمّا بالنسبة للإصحاح الثالث وهو عبارة عن صلاة وتسبحة لحَبَقُّوق النبي، فنجد أن ‏القديس كيرلس يفسر هذا الإصحاح بشكل أكثر رمزية من تفسيره للإصحاحين الأولين ‏لانتفاء الشق التاريخي تقريبًا فيه. فبالنسبة له تسبحة حَبَقُّوق النبي هي مناجاة البشرية بأكملها ‏لخالقها الذي آتى وخلصها. وبالتالي سر التجسد والخلاص هو مركز تفسيره لهذا الإصحاح ‏فيقول “بما أنه أنهى الحديث المتعلق ببابل كما يجب … ينقل الحديث بطريقةٍ مناسبةٍ إلى سِرِّ ‏المسيح”. وهذا عينه هو سبب استخدام الكنيسة لتلك التسبحة ليتورجيًا في سبت الفرح ولقان ‏عيد الغطاس. ولأنه اعتمد أكثر على الرمزية في تفسير هذا الإصحاح، فلا عجب في أن نجده ‏في أكثر من موضع يفسر ذات الآية بأكثر من تفسير ‏‏