الملامح الليتورجيا في سفر الرؤيا للدكتور جورج فرج

الملامح الليتورجيا في سفر الرؤيا     د. جورج فرج مقال من دورية المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية-  يوليو 2018   مقدمة ينظر البعض لسفر الرؤيا من جانب واحد فقط، هي أنه سفر نبوي فحسب، وما به من رموز تمثل أحداث مستقبلية، ما عدا  ما به من تسابيح وصلوات، ولكن النظرة الشاملة للسفر تجعلنا ندرك بسهول الخصائص الليتورجية له. وهذه السمة واحدة من السمات المهمة التي تميز هذا السفر تحديدًا عن باقي الكتابات الأبوكريفية الرؤيوية، سواء اليهودية أو تلك التي ظهرت بعد الميلاد، فسفر الرؤيا تتمازج فيه العناصر الرؤيوية مع العناصر الليتورجيا حتي نهاية السفر، فلا يمكن فصل الرؤى المتعلقة بالمستقبل بالجو التعبدي بعناصره الليتورجيا المختلفة، الذي يطغى على كل أحداث ومشاهد السفر. تلك العناصر الليتورجية تعبر عن رد فعل الخليقة سواء السمائية أو الأرضية تجاه الخالق معبرة عن تمجيدها له وكاشفة بشكل تدريجي عن خطة الله لخلاص الخليقة كلها. ولو نظرنا إلى وجهة النظر التاريخية نجد أن الإطار الليتورجي لسفر الرؤيا في غاية الأهمية حيث أنه يحتوي على كثير من العناصر التي كانت تستخدم في العبادة الليتورجية في الكنيسة الأولى، وبالتالي فإن دراسة تلك العناصر الليتورجية في سفر الرؤيا ومقارنتها بتاريخ تطور العبادة الليتورجية في الكنيسة الأولي أمر غاية في الأهمية لمعرفة العلاقة بين الاثنين. فسفر الرؤيا يعتبر كتابًا ليتورجيًا من الدرجة الأولى، ونجد كثيرًا من الملامح الليتورجيا بالسفر، حيث يستخدم الكثير من الرموز ذات الدلالات الليتورجية، والتي كانت تستخدم في العبادة اليهودية، حيث نلاحظ أن سفر الرؤيا أكثر أسفار العهد الجديد تأثرًا بالعهد القديم على الرغم من قلة الإقتباس المباشرة منه، وبمقارنة تلك الصور التي يقدمها سفر الرؤيا مع العبادة الليتورجية في الكنائس الأرثوذكسية، فإننا نرى أن السفر يقدم لنا صورة مبكرة لعناصر الليتورجيا المسيحية. ونذكر العديد جدًا من العناصر الليتورجيا منها : الحديث عن يوم الرب، عشاء الخروف المذبوح، مشاركة الكنيسة للعبادة الملائكية، تسبيح الرب بصفته ((ضابط الكل))، ((مستحق))ـ التسبحة الشاروبيمية ((الثلاث تقديسات))، ظهور قوات سمائية ذات رتب كهنوتية 24 قسيس، خدمة القراءات وذلك بالحديث عن ((فتح السفر وفك ختومه))، تقديم البخور على المذبح، ارتباط الافخارستيا بدينونة العالم وتفسير الليتورجيا بصورة حرب روحية، ولا يفوتنا الإشارة إلى أن سفر الرؤيا بمشاهده كان مُلهمًا لفناني الكنيسة ورساميها الذين ابدعوا الكثير من الأيقونات من وحي السفر ومشاهده الإلهية كصور الأربع كائنات غير المتجسدة وغيرها من الصور.   أولاً:- أركان الليتورجيا في سفر الرؤيا يمكننا أن نتتبع خدمة القداس الإلهي، فالرؤيا تمت في يوم الرب، أي في خدمة القداس الإلهي، كما أن الكتاب يتحدث عن سفر له ختوم يفتحه الخروف المذبوح وكذلك سفر أخر صغير يأخذه الرائي ويأكله وهذا يرمي بظلاله بقداس الكلمة الذي تتلي فيه القراءات، وأيضًا يتحدث عن الخروف المذبوح في كل السفر وعشائه. الرؤيا تتم في يوم الرب (كرياكي) وهو يوم الأحد ἐγενόμην ἐν πνεύματι ἐν τῇ κυριακῇ ἡμέρᾳ كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ،  (رؤ1: 10) يوم الرب  في مفهوم العهد الجديد هو يوم الأحد، وهو يوم قيامة السيد، وباقي الأحداث العظيمة كحلول الروح القدس على التلاميذ، وفي هذا اليوم يقام الاحتفال الليتورجي، وهكذا فالسفر يبدأ بالتأكيد أن الرؤيا في مجملها كانت من خلال خدمة القداس. فتح السفر وفك ختومه (قداس الكلمة). يقدم لنا السفر ملمح مهم للعبادة سواء اليهودية أو المسيحية، بقراءة النصوص المقدسة في أثناء الليتورجيا، ونلاحظ أن في سفر الرؤيا هناك حديث عن سفرين: سفر مختوم βιβλίον κατεσφραγισμένον   (رؤ 5: 1) لا يستطيع أحد أن يفتحه أو يفك ختومه سوى الخروف المذبوح. وسفر أخر صغير (كُتيب). وهو كتيب مفتوح βιβλαρίδιον ἠνεῳγμένον.   أخذه الرائي وأكله.  (رؤ 10: 2، 9، 10). فيما يخص السفر الأول فنجد أن مسألة أن السفر مختوم لها صدى في سفر دانيال (12: 4، 9) غير أن الجديد الذي يقدمه سفر الرؤيا هو أن السفر قد فُتِح بواسطة الخروف المذبوح وكما يظهر بوضوح من إنجيل لوقا أن السيد قد دفع إليه سفر إشعياء ليقرأه، ” فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ” (أنظر لو 4: 16 – 21) وقد فسره السيد أيضا ليؤكد أن النبوة قد تمت فيه، في الكنيسة المسيحية نجد أن قداس الكلمة (وهو ما يسمى في الغرب بقداس الموعوظين) يسبق قداس التقديس. في سفر الرؤيا نجد أن الحديث ليس فقط عن قراءة السفر بل أيضا عن فك ختومه، أي تفسيره، ولكن المسألة هنا ليست مجرد شرح معاني النبوات بل القدرة على تحقيقها، بإعلان تحقيق ملكوت الله، فحادثة إنجيل لوقا توضح أن بقراءة السيد للنبوة تحقق فعلها، فالمسألة هنا ليست مجرد قراءة أو حتى شرح معاني بل تحقيق الأمر، “ فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ».   لذلك نجد أن في الكنيسة الأرثوذكسية الذي يقرأ الإنجيل هو الأسقف وليس آخر لأن حضوره يعبر عن حضور المسيح في الكنيسة[1] وهنا نفرق بين الخروف المذبوح الوحيد القادر على فك ختوم السفر[2]، والنبي الرائي الذي أكل السفر ((الصغير)) المفتوح، كما حدث مع حزقيال النبي أيضًا في العهد القديم (حز 3: 1-3) ” وَالصَّوْتُ الَّذِي كُنْتُ قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ السَّمَاءِ كَلَّمَنِي أَيْضًا وَقَالَ:«اذْهَبْ خُذِ السِّفْرَ الصَّغِيرَ الْمَفْتُوحَ فِي يَدِ الْمَلاَكِ الْوَاقِفِ عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الأَرْضِ».  9 فَذَهَبْتُ إِلَى الْمَلاَكِ قَائِلاً لَهُ: «أَعْطِنِي السِّفْرَ الصَّغِيرَ». فَقَالَ لِي:«خُذْهُ وَكُلْهُ، فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرًّا، وَلكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْوًا كَالْعَسَلِ».  10 فَأَخَذْتُ السِّفْرَ الصَّغِيرَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ وَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ فِي فَمِي حُلْوًا كَالْعَسَلِ. وَبَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ صَارَ جَوْفِي مُرًّا.  11 فَقَالَ لِي:«يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضًا عَلَى شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسِنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثِيرِينَ»( رؤ 10: 8-10) هنا الأكل يعني الإدراك وإعلان النبوة وتفسيرها للناس بحلوها ومرها، وهذا يختلف عن فتح الخروف للسفر المختوم الذي يعني تحقيق النبوة وليس مجرد إعلانها للناس. عشاء الخروف المذبوح (الإفخارستيا). يأتي الحديث صراحة عن “عشاء” الخروف في نهاية السفر إصحاح 19 ، وهو بلا شك صورة واضحة للافخارستيا. وَقَالَ لِيَ: اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ!. وَرَأَيْتُ مَلاَكًا وَاحِدًا وَاقِفًا فِي الشَّمْسِ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً لِجَمِيعِ الطُّيُورِ الطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ:«هَلُمَّ اجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ الإِلهِ الْعَظِيمِ” بينما الحديث عن (الخروف المذبوح) هو حديث دائم على طول السفر السجود يكثر الحديث بشدة عن السجود لله، وهو بلا شك أساس أي عبادة، والسجود لله في سفر الرؤيا يشمل كل خليقة الله سواء من السمائيين مثل الأربعة والعشرين قسيسًا (4: 10) والملائكة ( 7: 11)، والأربعة كائنات الحية ( 5: 14)، أو من الأرضيين مثل يوحنا (1: 17) أو السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ وَكُلَّ أُمَّةٍ وَقَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ (رؤ 14: 6،7). والسجود للمخلوقات ممنوع في سفر الرؤيا فلما أراد الرائي أن يسجد للملاك رفض وانذره

  الملامح الليتورجيا في سفر الرؤيا للدكتور جورج فرج قراءة المزيد »